أمست الصحة النفسية أولوية في المجال الطبي لأهميتها وتأثيرها على الفرد والمجتمع، ناهيك عن الاضطرابات والأمراض والمشاكل النفسية الكبيرة التي تتطلب طرقًا علاجية مختلفة، كما تنوعت مدارس العلاج النفسي سواء العلاج الطبي أو السلوكي.
أثبت الذكاء الاصطناعي نجاحه في مختلف المجالات، وأصبح واضحًا بأنه سيغيّر قواعد تخصصات عديدة، بما فيها الطب النفسي، خصوصًا أن التقنيات المستخدمة حاليًا لا تعطي معلومات إضافية مهمة حول حالة الشخص فقط، وإنما تساعد أيضًا المختصين لتطوير أساليب العلاج.
فكيف أثّر إذًا الذكاء الاصطناعي على الصحة النفسيّة من ناحية التشخيص والعلاج؟
بدأت بعض مراكز العلاج النفسي، ونتيجة للطلب المتزايد على الخدمات، باستثمار طرق مؤتمتة لمراقبة جودة جلسات العلاج، وعلى سبيل المثال تستخدم هذه العيادات الذكاء الاصطناعي لتحليل الحوار بين المريض والطبيب خلال الجلسات عن طريق ما يسمى معالجة اللغات الطبيعية NLP (Natural Language Processing).
تُعرّف معالجة اللغات الطبيعية أو NLP على أنها مجال من مجالات الذكاء الاصطناعي المسؤول عن تحليل اللغات. لهذا المجال تطبيقات واسعة مثل التحليل المعنوي للكلام، وتحديد المشاعر بناءً على الكلمات والجمل والتعابير، وبالتالي يصل المختصون لمعلومات أكثر شمولية عن عملهم ويستطيعون تقديم معايير عالية لفعالية العلاج.
تكمن الفكرة هنا بتزويد مراكز العلاج النفسي بأدوات مبنية على الذكاء الاصطناعي تساعد على فهم وتحليل الحديث المتبادل في جلسة العلاج بين المعالج والمريض، ناهيك عن استخدام معالجة اللغات الطبيعية لاكتشاف الأفكار الانتحارية لدى بعض الأشخاص مما يساعد على تجنب قيامهم بأي أذى شخصي.
أما من ناحية التشخيص، فيساعد الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة الأطباء على اكتشاف الأمراض النفسية مبكرًا، مما يمكنهم من اختيار خطط العلاج الملائمة والفعّالة، ويتجه الباحثون في هذا المجال إلى استخلاص المعلومات الهامة من بيانات المرضى للوصول لجلسات علاج فعّالة إضافة لاختيار الطبيب أو المعالج الملائم لحالة المريض لتقديم العلاج الأفضل.
لا يقتصر الأمر على اختيار الطبيب المناسب، بل يتعداه أيضًا لتصنيف المرضى ضمن مجموعات علاج تبعًا للحالة، إضافة للوصول لمعلومات عن المريض تتضمن تاريخ عائلته، وسلوكه، واستجابته للعلاج، وبالتالي تحسين عملية اختيار العلاج المناسب، ومن الأمثلة على ذلك استخدام تعلم الآلة Machine Learning لاكتشاف أنماط اضطراب ما بعد الصدمة.
كما نعلم يحتاج العلاج النفسي لمتابعة دقيقة لاستجابة المريض للعلاج وقياس مدى فعالية الطريقة المستخدمة، وبالطبع ساعد الذكاء الاصطناعي في هذه القضية أيضًا، من خلال تحديد الوقت الأنسب لتغير آلية العلاج أو اختيار طبيب آخر.
من الأمثلة الهامة عن فكرة مراقبة العلاج هي مراقبة كلام المريض أثناء الجلسة والتركيز على العبارات التي يقولها للطبيب مثل: "لا أرغب في العيش مطلقًا بعد الآن"، ومثلها من العبارات التي تشير إلى وجود مشكلة، وبالتالي تحديد قدرة الطبيب على استخلاص العبارات التحذيرية من المريض.
ذكرت في بداية المقال أن هناك مدارس للعلاج النفسي، وينقسم في الواقع علاج الاضطرابات النفسية لشقين: الأول من خلال علاج دوائي، والثاني علاج سلوكي.
يعد الاكتئاب أبرز الاضطرابات النفسية التي يمكن إسقاطها على هذه الفكرة، ففي سياق متصل، شجّع المعهد الوطني للصحة والرعاية NICE في المملكة المتحدة على استخدام العلاج السلوكي قبل الدوائي في حالات معينة للاكتئاب.
يساعد الذكاء الاصطناعي في تحليل ما يقال في جلسات العلاج على زيادة كفاءة العلاج السلوكي، فمن خلال ذلك يمكن تحديد أنماط التفكير السلبي وكسرها مما يعني قدرة الطبيب على مناقشة ما يقوله المريض وتحديد خطط العلاج المستقبلية.
ينحصر كل ما تحدثت عنه سابقًا بين جدران مركز العلاج أو العيادة، ولكن يساهم الذكاء الاصطناعي وبشكل فعال خارج هذا الإطار، وأتحدث هنا عن الأجهزة الذكية كالساعات مثلاً، إذ يتمكّن الطبيب من مراقبة نمط نوم مريضه دون الحاجة للاعتماد على ما يقوله المريض.
ذكرت في بداية كلامي أن الطب النفسي متشعب للغاية، والاضطرابات النفسية غاية في التعقيد سواء من ناحية التشخيص أو العلاج، ونتيجة لطبيعتها المعقدة فإن التحديات أمام الذكاء الاصطناعي ما زالت موجودة، فمثلاً وضمن فكرة التشخيص، من الصعب أن تحدد فيما إذا كان الشخص يعاني من الاكتئاب أو اضطراب ثنائي القطب في حالات معينة.
يزيد ذلك من تعقيد نموذج تعلم الآلة المطلوب لتشخيص حالة المريض، ناهيك عن عدم وجود معيار وحيد تستطيع من خلاله تشخيص الحالة، وبمقارنة تشخيص الاضطرابات النفسية مع مرض عضوي كالسرطان مثلًا، يمكن ملاحظة التعقيد الذي أتحدث عنه، ففي حالة السرطان يمكن تشخيص المرض من خلال فحص عينة، ينتج عن ذلك الفحص جواب قاطع ينفي أو يثبت المرض، أما في الطب النفسي فلا يوجد عارض وحيد فقط تستخدمه لتحديد الحالة.
إضافة لما سبق، لا يوجد نموذج ذكاء اصطناعي لجميع الاضطرابات، كما لا يوجد نموذج مثالي يمكننا القياس عليه، مما يضيف تحديًا جديدًا يكمن في الزمن اللازم لتجميع البيانات، وتحليلها، والوصول للنموذج الملائم، وبالتالي لا توجد دراسات مرجعية كافية يمكن الاعتماد عليها لتطوير نموذج ما.
مازالت الأبحاث في تطبيق الذكاء الاصطناعي ضمن الطب النفسي قيد الإنجاز، ويمكن القول بأن ما وصلنا إليه اليوم يبعث أملاً بإمكانية الاعتماد بشكل شبه كامل على الذكاء الاصطناعي لتشخيص الحالات المرضية واقتراح العلاج والمتابعة بعده، ليقودنا كل ذلك في النهاية لتطوير سبل العلاج النفسي وتسهيلها.
أمست الصحة النفسية أولوية في المجال الطبي لأهميتها وتأثيرها على الفرد والمجتمع، ناهيك عن الاضطرابات والأمراض والمشاكل النفسية الكبيرة التي تتطلب طرقًا علاجية مختلفة، كما تنوعت مدارس العلاج النفسي سواء العلاج الطبي أو السلوكي.
أثبت الذكاء الاصطناعي نجاحه في مختلف المجالات، وأصبح واضحًا بأنه سيغيّر قواعد تخصصات عديدة، بما فيها الطب النفسي، خصوصًا أن التقنيات المستخدمة حاليًا لا تعطي معلومات إضافية مهمة حول حالة الشخص فقط، وإنما تساعد أيضًا المختصين لتطوير أساليب العلاج.
فكيف أثّر إذًا الذكاء الاصطناعي على الصحة النفسيّة من ناحية التشخيص والعلاج؟
بدأت بعض مراكز العلاج النفسي، ونتيجة للطلب المتزايد على الخدمات، باستثمار طرق مؤتمتة لمراقبة جودة جلسات العلاج، وعلى سبيل المثال تستخدم هذه العيادات الذكاء الاصطناعي لتحليل الحوار بين المريض والطبيب خلال الجلسات عن طريق ما يسمى معالجة اللغات الطبيعية NLP (Natural Language Processing).
تُعرّف معالجة اللغات الطبيعية أو NLP على أنها مجال من مجالات الذكاء الاصطناعي المسؤول عن تحليل اللغات. لهذا المجال تطبيقات واسعة مثل التحليل المعنوي للكلام، وتحديد المشاعر بناءً على الكلمات والجمل والتعابير، وبالتالي يصل المختصون لمعلومات أكثر شمولية عن عملهم ويستطيعون تقديم معايير عالية لفعالية العلاج.
تكمن الفكرة هنا بتزويد مراكز العلاج النفسي بأدوات مبنية على الذكاء الاصطناعي تساعد على فهم وتحليل الحديث المتبادل في جلسة العلاج بين المعالج والمريض، ناهيك عن استخدام معالجة اللغات الطبيعية لاكتشاف الأفكار الانتحارية لدى بعض الأشخاص مما يساعد على تجنب قيامهم بأي أذى شخصي.
أما من ناحية التشخيص، فيساعد الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة الأطباء على اكتشاف الأمراض النفسية مبكرًا، مما يمكنهم من اختيار خطط العلاج الملائمة والفعّالة، ويتجه الباحثون في هذا المجال إلى استخلاص المعلومات الهامة من بيانات المرضى للوصول لجلسات علاج فعّالة إضافة لاختيار الطبيب أو المعالج الملائم لحالة المريض لتقديم العلاج الأفضل.
لا يقتصر الأمر على اختيار الطبيب المناسب، بل يتعداه أيضًا لتصنيف المرضى ضمن مجموعات علاج تبعًا للحالة، إضافة للوصول لمعلومات عن المريض تتضمن تاريخ عائلته، وسلوكه، واستجابته للعلاج، وبالتالي تحسين عملية اختيار العلاج المناسب، ومن الأمثلة على ذلك استخدام تعلم الآلة Machine Learning لاكتشاف أنماط اضطراب ما بعد الصدمة.
كما نعلم يحتاج العلاج النفسي لمتابعة دقيقة لاستجابة المريض للعلاج وقياس مدى فعالية الطريقة المستخدمة، وبالطبع ساعد الذكاء الاصطناعي في هذه القضية أيضًا، من خلال تحديد الوقت الأنسب لتغير آلية العلاج أو اختيار طبيب آخر.
من الأمثلة الهامة عن فكرة مراقبة العلاج هي مراقبة كلام المريض أثناء الجلسة والتركيز على العبارات التي يقولها للطبيب مثل: "لا أرغب في العيش مطلقًا بعد الآن"، ومثلها من العبارات التي تشير إلى وجود مشكلة، وبالتالي تحديد قدرة الطبيب على استخلاص العبارات التحذيرية من المريض.
ذكرت في بداية المقال أن هناك مدارس للعلاج النفسي، وينقسم في الواقع علاج الاضطرابات النفسية لشقين: الأول من خلال علاج دوائي، والثاني علاج سلوكي.
يعد الاكتئاب أبرز الاضطرابات النفسية التي يمكن إسقاطها على هذه الفكرة، ففي سياق متصل، شجّع المعهد الوطني للصحة والرعاية NICE في المملكة المتحدة على استخدام العلاج السلوكي قبل الدوائي في حالات معينة للاكتئاب.
يساعد الذكاء الاصطناعي في تحليل ما يقال في جلسات العلاج على زيادة كفاءة العلاج السلوكي، فمن خلال ذلك يمكن تحديد أنماط التفكير السلبي وكسرها مما يعني قدرة الطبيب على مناقشة ما يقوله المريض وتحديد خطط العلاج المستقبلية.
ينحصر كل ما تحدثت عنه سابقًا بين جدران مركز العلاج أو العيادة، ولكن يساهم الذكاء الاصطناعي وبشكل فعال خارج هذا الإطار، وأتحدث هنا عن الأجهزة الذكية كالساعات مثلاً، إذ يتمكّن الطبيب من مراقبة نمط نوم مريضه دون الحاجة للاعتماد على ما يقوله المريض.
ذكرت في بداية كلامي أن الطب النفسي متشعب للغاية، والاضطرابات النفسية غاية في التعقيد سواء من ناحية التشخيص أو العلاج، ونتيجة لطبيعتها المعقدة فإن التحديات أمام الذكاء الاصطناعي ما زالت موجودة، فمثلاً وضمن فكرة التشخيص، من الصعب أن تحدد فيما إذا كان الشخص يعاني من الاكتئاب أو اضطراب ثنائي القطب في حالات معينة.
يزيد ذلك من تعقيد نموذج تعلم الآلة المطلوب لتشخيص حالة المريض، ناهيك عن عدم وجود معيار وحيد تستطيع من خلاله تشخيص الحالة، وبمقارنة تشخيص الاضطرابات النفسية مع مرض عضوي كالسرطان مثلًا، يمكن ملاحظة التعقيد الذي أتحدث عنه، ففي حالة السرطان يمكن تشخيص المرض من خلال فحص عينة، ينتج عن ذلك الفحص جواب قاطع ينفي أو يثبت المرض، أما في الطب النفسي فلا يوجد عارض وحيد فقط تستخدمه لتحديد الحالة.
إضافة لما سبق، لا يوجد نموذج ذكاء اصطناعي لجميع الاضطرابات، كما لا يوجد نموذج مثالي يمكننا القياس عليه، مما يضيف تحديًا جديدًا يكمن في الزمن اللازم لتجميع البيانات، وتحليلها، والوصول للنموذج الملائم، وبالتالي لا توجد دراسات مرجعية كافية يمكن الاعتماد عليها لتطوير نموذج ما.
مازالت الأبحاث في تطبيق الذكاء الاصطناعي ضمن الطب النفسي قيد الإنجاز، ويمكن القول بأن ما وصلنا إليه اليوم يبعث أملاً بإمكانية الاعتماد بشكل شبه كامل على الذكاء الاصطناعي لتشخيص الحالات المرضية واقتراح العلاج والمتابعة بعده، ليقودنا كل ذلك في النهاية لتطوير سبل العلاج النفسي وتسهيلها.