قراراتٌ طبيةٌ حرجة: هل ستفلح الروبوتات باحتلال غرف العمليات الجراحية؟

أنوار البكار
أنوار البكار
May 11, 2022

في عصرٍ أصبحت الروبوتات شريك الإنسان في التقدم والصناعات بأنواعها، بات دخولها إلى عالم الطب من الأمور المسلّمة، ومع أن الأمر أخذ ما يقارب الأربعين عامًا لدخول الروبوت لأروقة الطب من تاريخ أول استخدامٍ له في الصناعة التحويلية إلا أنه أصبح ظهيرًا لا يُستغنى عنه.

دخلت الآلة إلى غرف الجراحة لأول مرةٍ في التسعينات من القرن الماضي، ونُظر إلى هذا الإنجاز كتميميةٍ تفوقت على الإنسان في الدقة والولوج إلى الأماكن الضيقة، إضافةً إلى التقليل من الحد الأدنى للمخاطر، فباتت رؤية المجسات والأذرع الإلكترونية تتطاير فوق جرح المريض، أشبه بمنظرٍ روتيني في غرف الجراحة.

اقرأ أيضًا: روبوت يتحدى المساحات الضيقة: ماذا تعرف عن الروبوتات السائلة؟


والآن وبعد ابتكار تقنية الذكاء الاصطناعي (Artificial Intelligence) أصبح الحلم أقرب إلى الواقع، فهل سنرى عملياتٍ جراحيةً تنفذ بشكلٍ كاملٍ من الروبوتات؟ وهل سنستطيع أن نوليها الثقة الكاملة، ونؤمن بذكائها الاصطناعي؟ وأبعد من ذلك، هل سوف نشهد عصرًا جديدًا تأخذ فيه الروبوتات قرارات حرجة فيما يخص صحة المريض أثناء العملية الجراحية؟

حدود تقنيات الروبوتات الجراحية الحالية؟

ما زال عمل الروبوتات حتى الآن في ضمار الجراحات طفيفة التوغل، وبين يدي تحكم الجراحين المدربين، وبكل بساطة فالمنظومة الأكثر شيوعاً للروبوتات الجراحية الحالية هي ذراعٌ مزودٌ بأدواتٍ جراحية، وموصولٌ بكاميرا تعرض مدخلاتها على شاشة تحكمٍ بالقرب من طاولة العمليات بين يدي جراحٍ خبير.

يوفر هذا النظام رؤيةً ثلاثية الأبعاد، مع التكبير وبدقةٍ عالية، توفر للجراح اطلاعًا أعمق على الحالة، بينما توفر الأذرع الحساسة تحكمًا فائقًا ودقيقًا بالإجراءات اللازمة.

ما الذي يدفعنا للاعتماد أكثر على الروبوتات في العمليات الجراحية؟

قراراتٌ طبيةٌ حرجة: هل ستفلح الروبوتات باحتلال غرف العمليات الجراحية؟ ما الذي يدفعنا للاعتماد أكثر على الروبوتات في العمليات الجراحية؟
قراراتٌ طبيةٌ حرجة: هل ستفلح الروبوتات باحتلال غرف العمليات الجراحية؟ ما الذي يدفعنا للاعتماد أكثر على الروبوتات في العمليات الجراحية؟

يشهد الجراحون أن استخدام النظم الروبوتية في إجراء العمليات الجراحية وفر خياراتٍ أكثر دقة، ومرونةً في التحكم ينتج عنها جروحٌ أصغر وأسرع شفاءً، تساعد على تلافي نزف الدم الحاد أو الالتهابات الناتجة في موقع الجراحة، وباستخدام خيار الكاميرا يتم رصد مواضع من المستحيل رصدها بالعين المجردة، جعل من إجراء العمليات الدقيقة والمعقدة أمرًا لم يعد مستحيلًا.

يعود ذلك على المريض بوقت شفاءٍ أقل، وفرصةٍ للعودة للحياة العادية بشكلٍ أسرع، فقد ترى المريض الخارج من غرفة عملياتٍ تستخدم الروبوتات، عائدًا إلى منزله في غضون بضعة أيامٍ عوضًا عن أسابيع أو أشهر.

كيف بدأ الأمر برمته؟

لقد بدأ الأمر برمته بروبوتٍ بسيطٍ للغاية؛ كاميرا تنظير الجهاز الهضمي، الذي صادقت عليها منظمة الغذاء والدواء عام 1994، وسمحت بدخولها إلى الإجراءات السريرية في المستشفيات.

واليوم، نتعامل مع أشهر نظامٍ روبوتي والملقب بنظام دافنشي الجراحي، والذي يسمح بالتقاط صورٍ عالية الدقة، ويستخدم في حركاته نسخًا دقيقًا لتحركات يد الجراح، موفرًا خياراتٍ واسعة وحلولًا متقنة، وقد دخل ذلك النظام أروقة غرف الجراحة عام 2000 ويعد إلى الآن أكثر النظم استخدامًا، ولكنه مع ذلك ما زال تحت التحكم البشري.

زيادة قيمة الروبوتات الجراحية الجديدة عبر ربطها بالذكاء الاصطناعي

سنعرض تفاصيل عمل ماكو؛ أحد منتجات شركة سترايكر، كبدايةٍ لما نحاول الإشارة إليه. ماكو هو روبوتٌ بنظمٍ متطورة، يعمل تحديدًا في عمليات استبدال المفصل -غالبًا الركبة- تبرز ميزته في أن الجراحين القائمين على العملية يقومون بإدخال البيانات التشريحية للمريض ودمجها في برنامج الروبوت، يتبنى الروبوت بعدها تحري الدقة في وضع الغرسة العظمية بشكلٍ مثالي بناءً على تشريح المريض.

واليوم عبر أنظمة التعلم العميق، ومعالجة اللغة الطبيعية، تمكنت الروبوتات من حجز مكانٍ في التخطيط ما قبل الجراحة، وهي المرحلة التي يقرر فيها الأطباء الدفع بالخيار الجراحي قيد التنفيذ، وتستخدم خوارزميات التعلم العميق بالتصنيف والكشف، وتحديد التشوهات في التصوير المقطعي المحوسب، وكما يمكنها التنبؤ بالفشل الكلوي والمضاعفات الخطيرة عبر الشبكات العصبية المتكررة للتعلم العميق، ومع ذلك فإن هذا لا يزال غير كافٍ!

ما نبحث عنه مفهومٌ أكثر عمقًا، أشبه بالإرادة الحرة المعززة بدفقٍ من البيانات، والمتخصصة في دراسة الحالة بدقةٍ وتنفيذ الخيار الأسلم وفق المعطيات أثناء العملية الجراحية، نظامٌ ذكيٌّ بحد ذاته ومتحرر يملك القدرة على المبادرة بأي إجراء، فهل هذا معقول؟

اقرأ أيضًا: الطب الدقيق: مستقبل الرعاية الصحية.

كيف سيكون مستقبل الروبوتات الجراحية؟

يبدو أن الطريق طويلٌ في جعل الروبوتات المسيطر الأول على الغرف الجراحية، ولكن تمتلك أسنسس الجراحية (Asensus Surgical) روبوتًا يبدو واعدًا، يعمل بالذكاء الاصطناعي، ويوفر المعلومات المُعززة في العملية الجراحية مثل حجم الأنسجة بقياسٍ دقيق، ويَستخدِم هذا الروبوت أيضًا المهارات البشرية للتعلم عن طريق محاكاة العمليات.

وأبعد من ذلك، يُستخدَم التعلم من العرض التوضيحي (LFD) لتدريب الروبوتات بشكلٍ عام، بدأً للقيام بالمهام المعقدة إلى إجراء المهام الروتينية، وذلك عبر استعراض المعلومات المتراكمة، ثم تقوم بالتمييز بين الإجراءات، والكشف عن الفرعي منها وتنفيذها.

لا ننكر أن الروبوتات وصلت في تطورها إلى مرحلةٍ من الثقة تكفي لأن تكون مساعدًا جيدًا، ولكن ليس أكثر، فهي تقوم بتقييم الإيماءات وتعلم المهارات وتنفيذها مثل خياطة الجروح والتحكم بالخيط وربط العقد، حيث وصلت دقتها إلى 80%، ولكنه مع الأسف ليس كافيًا أيضًا.

إن الجراحة الروبوتية وضعت بصمةً لا غنى عنها في الطب، ولكن للأمانة نحن إلى الآن لم نخرج باستخدام الروبوتات في العمليات الجراحية إلى نطاق العمل جنبًا إلى جنب معها كشريكٍ في اتخاذ القرارات الحرجة، أو الاعتماد عليها بشكلٍ مستقل.

لكن المُبشر بأن واقع الروبوتات الجراحية المعززة بالذكاء الاصطناعي بات مأخوذًا على محمل الجد، ويتطور باستمرار بشكلٍ مضاعف، وهذا ما يثير الفضول حول إذا ما كان دور الجراحين سينحصر فقط على المراقبة والتعزيز مستقبلًا، أو أننا سوف نستطيع الزج بثقتنا الكاملة بمجسات الروبوتات الجراحية.

أنوار البكار

فنية مختبر طبي وكاتبة في عدة مجالات.

قراراتٌ طبيةٌ حرجة: هل ستفلح الروبوتات باحتلال غرف العمليات الجراحية؟

My story with Phi
Bioinformatics and ROS for Robot Arm Specialization Courses
| Phi Science
أنوار البكار
11 مايو 2022

في عصرٍ أصبحت الروبوتات شريك الإنسان في التقدم والصناعات بأنواعها، بات دخولها إلى عالم الطب من الأمور المسلّمة، ومع أن الأمر أخذ ما يقارب الأربعين عامًا لدخول الروبوت لأروقة الطب من تاريخ أول استخدامٍ له في الصناعة التحويلية إلا أنه أصبح ظهيرًا لا يُستغنى عنه.

دخلت الآلة إلى غرف الجراحة لأول مرةٍ في التسعينات من القرن الماضي، ونُظر إلى هذا الإنجاز كتميميةٍ تفوقت على الإنسان في الدقة والولوج إلى الأماكن الضيقة، إضافةً إلى التقليل من الحد الأدنى للمخاطر، فباتت رؤية المجسات والأذرع الإلكترونية تتطاير فوق جرح المريض، أشبه بمنظرٍ روتيني في غرف الجراحة.

اقرأ أيضًا: روبوت يتحدى المساحات الضيقة: ماذا تعرف عن الروبوتات السائلة؟


والآن وبعد ابتكار تقنية الذكاء الاصطناعي (Artificial Intelligence) أصبح الحلم أقرب إلى الواقع، فهل سنرى عملياتٍ جراحيةً تنفذ بشكلٍ كاملٍ من الروبوتات؟ وهل سنستطيع أن نوليها الثقة الكاملة، ونؤمن بذكائها الاصطناعي؟ وأبعد من ذلك، هل سوف نشهد عصرًا جديدًا تأخذ فيه الروبوتات قرارات حرجة فيما يخص صحة المريض أثناء العملية الجراحية؟

حدود تقنيات الروبوتات الجراحية الحالية؟

ما زال عمل الروبوتات حتى الآن في ضمار الجراحات طفيفة التوغل، وبين يدي تحكم الجراحين المدربين، وبكل بساطة فالمنظومة الأكثر شيوعاً للروبوتات الجراحية الحالية هي ذراعٌ مزودٌ بأدواتٍ جراحية، وموصولٌ بكاميرا تعرض مدخلاتها على شاشة تحكمٍ بالقرب من طاولة العمليات بين يدي جراحٍ خبير.

يوفر هذا النظام رؤيةً ثلاثية الأبعاد، مع التكبير وبدقةٍ عالية، توفر للجراح اطلاعًا أعمق على الحالة، بينما توفر الأذرع الحساسة تحكمًا فائقًا ودقيقًا بالإجراءات اللازمة.

ما الذي يدفعنا للاعتماد أكثر على الروبوتات في العمليات الجراحية؟

قراراتٌ طبيةٌ حرجة: هل ستفلح الروبوتات باحتلال غرف العمليات الجراحية؟ ما الذي يدفعنا للاعتماد أكثر على الروبوتات في العمليات الجراحية؟
قراراتٌ طبيةٌ حرجة: هل ستفلح الروبوتات باحتلال غرف العمليات الجراحية؟ ما الذي يدفعنا للاعتماد أكثر على الروبوتات في العمليات الجراحية؟

يشهد الجراحون أن استخدام النظم الروبوتية في إجراء العمليات الجراحية وفر خياراتٍ أكثر دقة، ومرونةً في التحكم ينتج عنها جروحٌ أصغر وأسرع شفاءً، تساعد على تلافي نزف الدم الحاد أو الالتهابات الناتجة في موقع الجراحة، وباستخدام خيار الكاميرا يتم رصد مواضع من المستحيل رصدها بالعين المجردة، جعل من إجراء العمليات الدقيقة والمعقدة أمرًا لم يعد مستحيلًا.

يعود ذلك على المريض بوقت شفاءٍ أقل، وفرصةٍ للعودة للحياة العادية بشكلٍ أسرع، فقد ترى المريض الخارج من غرفة عملياتٍ تستخدم الروبوتات، عائدًا إلى منزله في غضون بضعة أيامٍ عوضًا عن أسابيع أو أشهر.

كيف بدأ الأمر برمته؟

لقد بدأ الأمر برمته بروبوتٍ بسيطٍ للغاية؛ كاميرا تنظير الجهاز الهضمي، الذي صادقت عليها منظمة الغذاء والدواء عام 1994، وسمحت بدخولها إلى الإجراءات السريرية في المستشفيات.

واليوم، نتعامل مع أشهر نظامٍ روبوتي والملقب بنظام دافنشي الجراحي، والذي يسمح بالتقاط صورٍ عالية الدقة، ويستخدم في حركاته نسخًا دقيقًا لتحركات يد الجراح، موفرًا خياراتٍ واسعة وحلولًا متقنة، وقد دخل ذلك النظام أروقة غرف الجراحة عام 2000 ويعد إلى الآن أكثر النظم استخدامًا، ولكنه مع ذلك ما زال تحت التحكم البشري.

زيادة قيمة الروبوتات الجراحية الجديدة عبر ربطها بالذكاء الاصطناعي

سنعرض تفاصيل عمل ماكو؛ أحد منتجات شركة سترايكر، كبدايةٍ لما نحاول الإشارة إليه. ماكو هو روبوتٌ بنظمٍ متطورة، يعمل تحديدًا في عمليات استبدال المفصل -غالبًا الركبة- تبرز ميزته في أن الجراحين القائمين على العملية يقومون بإدخال البيانات التشريحية للمريض ودمجها في برنامج الروبوت، يتبنى الروبوت بعدها تحري الدقة في وضع الغرسة العظمية بشكلٍ مثالي بناءً على تشريح المريض.

واليوم عبر أنظمة التعلم العميق، ومعالجة اللغة الطبيعية، تمكنت الروبوتات من حجز مكانٍ في التخطيط ما قبل الجراحة، وهي المرحلة التي يقرر فيها الأطباء الدفع بالخيار الجراحي قيد التنفيذ، وتستخدم خوارزميات التعلم العميق بالتصنيف والكشف، وتحديد التشوهات في التصوير المقطعي المحوسب، وكما يمكنها التنبؤ بالفشل الكلوي والمضاعفات الخطيرة عبر الشبكات العصبية المتكررة للتعلم العميق، ومع ذلك فإن هذا لا يزال غير كافٍ!

ما نبحث عنه مفهومٌ أكثر عمقًا، أشبه بالإرادة الحرة المعززة بدفقٍ من البيانات، والمتخصصة في دراسة الحالة بدقةٍ وتنفيذ الخيار الأسلم وفق المعطيات أثناء العملية الجراحية، نظامٌ ذكيٌّ بحد ذاته ومتحرر يملك القدرة على المبادرة بأي إجراء، فهل هذا معقول؟

اقرأ أيضًا: الطب الدقيق: مستقبل الرعاية الصحية.

كيف سيكون مستقبل الروبوتات الجراحية؟

يبدو أن الطريق طويلٌ في جعل الروبوتات المسيطر الأول على الغرف الجراحية، ولكن تمتلك أسنسس الجراحية (Asensus Surgical) روبوتًا يبدو واعدًا، يعمل بالذكاء الاصطناعي، ويوفر المعلومات المُعززة في العملية الجراحية مثل حجم الأنسجة بقياسٍ دقيق، ويَستخدِم هذا الروبوت أيضًا المهارات البشرية للتعلم عن طريق محاكاة العمليات.

وأبعد من ذلك، يُستخدَم التعلم من العرض التوضيحي (LFD) لتدريب الروبوتات بشكلٍ عام، بدأً للقيام بالمهام المعقدة إلى إجراء المهام الروتينية، وذلك عبر استعراض المعلومات المتراكمة، ثم تقوم بالتمييز بين الإجراءات، والكشف عن الفرعي منها وتنفيذها.

لا ننكر أن الروبوتات وصلت في تطورها إلى مرحلةٍ من الثقة تكفي لأن تكون مساعدًا جيدًا، ولكن ليس أكثر، فهي تقوم بتقييم الإيماءات وتعلم المهارات وتنفيذها مثل خياطة الجروح والتحكم بالخيط وربط العقد، حيث وصلت دقتها إلى 80%، ولكنه مع الأسف ليس كافيًا أيضًا.

إن الجراحة الروبوتية وضعت بصمةً لا غنى عنها في الطب، ولكن للأمانة نحن إلى الآن لم نخرج باستخدام الروبوتات في العمليات الجراحية إلى نطاق العمل جنبًا إلى جنب معها كشريكٍ في اتخاذ القرارات الحرجة، أو الاعتماد عليها بشكلٍ مستقل.

لكن المُبشر بأن واقع الروبوتات الجراحية المعززة بالذكاء الاصطناعي بات مأخوذًا على محمل الجد، ويتطور باستمرار بشكلٍ مضاعف، وهذا ما يثير الفضول حول إذا ما كان دور الجراحين سينحصر فقط على المراقبة والتعزيز مستقبلًا، أو أننا سوف نستطيع الزج بثقتنا الكاملة بمجسات الروبوتات الجراحية.

Bana-img

أنوار البكار

فنية مختبر طبي وكاتبة في عدة مجالات.