نظرًا للتّحول الرّقمي الشّامل للعالم أجمع، أصبح من المُمكن الوصول إلى أي نوع من المعلومات بضغطة زر واحدة عبر خدمات الإنترنت عاليّة السّرعة ورخيصة الثّمن، والتي سهّلت من انتشار المعلومات بغزارة، لدرجة أن مُعظم النُّقّاد طالبوا باتّخاذ الإجراءات اللّازمة للتّحقق من صحّة هذا الكم من المعلومات الذي غزى شّبكة الإنترنت بأكملها. من جهة أخرى، سنُلاحظ أن هذا الانتشار الكبير قد فتح الباب على مصراعيه لخدمات التعليم عن بعد لتنتشر وتلقى رواجًا واستحسانًا على مدار العقدين الماضيين.
أثبتت جائحة كورونا -بما لا يدع مجالًا للشك- أن العالم ما كان ليُدرك أهمية التعليم الإلكتروني إلا بعد تلقّي صفعة قويّة، إذ تصدر التعليم الإلكتروني قائمة الحلول التّعليمية طوال فترة الجائحة بعد أن كان يلعب دورًا ثانويًا مُهمشًا، وتُشير كل المؤشّرات أنه سيُحافظ على الصّدارة حتى في فترة ما بعد الجائحة.
إذا نظرنا إلى البيانات الإحصائيّة المتمحورة حول التعليم الإلكتروني، أفادت منصة يوداستي العالميّة بأنها قدّمت خدماتها إلى 14 مليون مُستخدم (وفقًا لتقرير Udacity 2020: The Year in Review,2021)، تزامنًا مع انضمام حوالي 80 مليون مُستخدم لمنصة إدكس التعليميّة (وفقًا لتقرير Impact Report, 2021)، وترحيب منصة كورسيرا ب70 مليون مُستخدم (وفقًا لتقرير Coursera 2020 Impact Report, 2021). أليس هذا بدليل كافٍ على رواج التعليم الإلكتروني؟
ما يزال التّعليم الإلكتروني في مراحله المُبكّرة مع مساحة كبيرة للتّطوير والتّحسين، بالأخص التّركيز على مُخرجات التّعلم العمليّة وصقل المهارات اللّازمة لسوق العمل وفاءً بمُتطلّبات الوظائف المُستقبليّة عوضًا عن التّركيز على التّعلّم طمعًا في الشّهادات فحسب.
يستوقفنا الآن سؤال في غاية الأهميّة: هل من المُمكن أن يتعاقد مسؤولو التّوظيف وأصحاب الشّركات مع الحاملين لشهادات المساقات الهائلة أو ما تُعرف بـ "MOOCs"؟
يقف أمام المساقات المفتوحة (بالإنجليزية Massive Open Online Courses أو MOOCs) ودورات الأونلاين التدريبية عائق صعب، وهو اعتراف مسؤولي التّوظيف وأصحاب الشّركات بها.
قد تكون اشتركت مُسبقًا في دورة تدريبية عالية الجودة عبر الإنترنت ضمن إحدى المساقات المفتوحة دون أن تعرف المغزى وراء شكوك أصحاب الشّركات ومسؤولي التّوظيف، ولكن ألا تظن أن من حقهم التأكّد من كفاءة وأهليّة الجهة المانحة للشّهادة، سواء كانت دورة تدريبية أون لاين أو في إحدى المراكز أثناء تقييمهم لجميع المُرشّحين؟
من المؤسف القول أن مقياس جودة التّعليم المزعوم للجامعات سواء كانت الدراسة أون لاين أو في الحرم الجامعي، قد أعمى الشّركات عن أهليّة الخيارات الأخرى، ولأن الوقت يمثل رأس مال الشّركات في عصرنا الحالي، فالغالبية منها تُفضّل التّركيز على أنشطتها ومهامها الرّئيسية في خِضم المُنافسة الاقتصادية الشرسة. يتّضح هنا السّبب المنطقي وراء تقييم المُتقدّمين للوظائف وفقًا لشهاداتهم الجامعيّة، دون الالتفات بشكل كبير للشهادات أو الدورات التّدريبية الأخرى.
وفقًا لمُتخصص علم الاجتماع Ono H، قامت إحدى الشركات في اليابان بغرض تصنيف المُتقدّمين لإحدى الوظائف بإحضار أربعة صناديق، على كل منها كتب اسم من الأربعة الآتية: جامعة توكيو، وجامعة هيتوتسوباشي، وجامعة واسيدا وكيو، والأخير كُتب عليه "أخرى"، ومن ثم طُلب من كل مُتقدّم أن يضع سيرته الذّاتية في الصّندوق المُناسب. بيت القصيد أن الجامعات الثّلاث المذكورة هي الأعلى تصنيفًا على مستوى اليابان.
من الأمثلة المُشابهة أيضًا المُستوحاة من المسلسل الأمريكي Suits، حقيقة أن المُمثّل المشهور بيرسون هاردمان لم يكن يوظّف سوى خرّيجي كلية هارفارد للحقوق، مما يوحي بأن تصنيف الجامعة ليس مُجرّد رقم فحسب، بل هي دلالة على الثّقافة من وجهة نظر البعض.
بعيدًا عن السلبيات ذات التأثير المهني لـلتعليم الإلكتروني، كعدم اعتراف الشّركات ومسؤولي التّوظيف به، فإن المشكلة الداخلية التي تؤثر بشكل مُباشر على الأفراد هي الإحساس بالعزلة. الأمر الذي يؤثر سلبًا على سلوك الفرد وبالتالي يقل اهتمامه بالمادة العلمية وينخفض أداؤه وتحصيله الدّراسي.
يتناسب الإحساس بالعزلة تناسبًا طرديًا مع درجة الالتزام بإتمام الدّورة التّدريبيّة، ويُستدل على ذلك من مُعدلات إكمال الدّورات التّدريبية المُنخفضة للغاية في المساقات الهائلة (MOOCs) على سبيل المثال لا الحصر.
قس على ذلك الحريّة التي يحظى بها الطّلاب في مثل هذه الدّورات والتي تُترجم في بعض الأحيان إلى سلوك سلبي وإساءة تجاه المُحاضرين نظرًا لانخفاض قدرتهم وتحكّمهم في الطّلاب مُقارنة بالتعليم التقليدي وجهًا لوجه.
أخيرًا، غياب العلاقة التفاعلية بين المُحاضر والمُتدرّب يؤثّر بشكل كبير على قدرة المحاضرين على توجيههم وتقويمهم، وهي من الأعمدة الأساسيّة لجودة أي نظام تعليمي عرفه التّاريخ. تجتمع كل هذه العوامل لتمنح شعورًا أقل بالجدية والالتزام طوال الدّورة التّدريبية.
ظهرت في الآونة الأخيرة بعض النماذج التي تُحاول التّغلّب على سلبيات المساقات الهائلة (MOOCs) مع الاحتفاظ بجميع مزاياها.
من الأمثلة الحيّة على هذه النّماذج، برامج النانو ديجري (Nanodegree) المُقدّمة من يوداستي العالميّة، ونموذج مايكروماستر (MicroMaster) من منصّة إدكس، ونموذج التعليم الدقيق من فاي للعلوم، حيث يُحاكي النموذج تجربة التعلم في الفصل الدّراسي على الخوادم السحابية.
يدمج هذا النموذج بين التعلم عن بعد والتعليم التقليدي، مع التّركيز أكثر على نموذج التعلم عن بعد بهدف الوصول إلى أكبر عدد من المُتدربين حول العالم، متغلبًا على القيود المكانيّة والزّمانيّة في نموذج التعلم في الفصل الدّراسي، وفي نفس الوقت تفادي جميع السلبيات التي تُصاحب نموذج التعلم المُعتمد على المساقات الهائلة على رأسها الإحساس بالعزلة وغياب العلاقة التفاعلية بين المُحاضر والمُتدرب.
تتلّخص المنهجية التعليمية لفاي للعلوم في تصميم دورات تدريبية تعتمد بشكل أساسي على تطبيق مشاريع حقيقيّة بمُساعدة نُخبة من خُبراء المجالات المُستهدفة ممن لهم باع طويل في كُبرى الشّركات، والأساتذة الأكاديميين من مُختلف الجامعات المرموقة، ضمانًا لجودة العمليّة التّعليميّة، واعتمادها من أغلب الجهات المعنيّة، وإتاحة الفرصة للمُتدربين للتّفاعل مع المُحاضرين بما يُحقق أقصى استفادة من الدورة التّدريبية وبالتالي زيادة فرص المُتدرّبين في الحصول على وظائف مرموقة.
حقيقةً، ما زال هناك الكثير من العقبات أمام التعليم الإلكتروني ليصل إلى هذه المرحلة، على رأسها مزايا التعلم وجهًا لوجه، ولكن العمل جارٍ من مُختلف الجهات المهتمة، لتسريع عمليّة الإحلال عبر مُختلف آليات التّطوير.
تتضمن هذه الآليات التركيز على اكتساب المهارات، بمساعدة محاضرين ذوي خبرة ومعرفة من مختلف المعاهد والشركات المرموقة، والشراكة مع كبرى الجهات المختصة في تصميم وتقديم تجربة تعلم مميّزة، مع الحفاظ على مزايا التعلم عن بعد على رأسها المرونة وعدم وجود أي قيود زمانية أو مكانية.
نظرًا للتّحول الرّقمي الشّامل للعالم أجمع، أصبح من المُمكن الوصول إلى أي نوع من المعلومات بضغطة زر واحدة عبر خدمات الإنترنت عاليّة السّرعة ورخيصة الثّمن، والتي سهّلت من انتشار المعلومات بغزارة، لدرجة أن مُعظم النُّقّاد طالبوا باتّخاذ الإجراءات اللّازمة للتّحقق من صحّة هذا الكم من المعلومات الذي غزى شّبكة الإنترنت بأكملها. من جهة أخرى، سنُلاحظ أن هذا الانتشار الكبير قد فتح الباب على مصراعيه لخدمات التعليم عن بعد لتنتشر وتلقى رواجًا واستحسانًا على مدار العقدين الماضيين.
أثبتت جائحة كورونا -بما لا يدع مجالًا للشك- أن العالم ما كان ليُدرك أهمية التعليم الإلكتروني إلا بعد تلقّي صفعة قويّة، إذ تصدر التعليم الإلكتروني قائمة الحلول التّعليمية طوال فترة الجائحة بعد أن كان يلعب دورًا ثانويًا مُهمشًا، وتُشير كل المؤشّرات أنه سيُحافظ على الصّدارة حتى في فترة ما بعد الجائحة.
إذا نظرنا إلى البيانات الإحصائيّة المتمحورة حول التعليم الإلكتروني، أفادت منصة يوداستي العالميّة بأنها قدّمت خدماتها إلى 14 مليون مُستخدم (وفقًا لتقرير Udacity 2020: The Year in Review,2021)، تزامنًا مع انضمام حوالي 80 مليون مُستخدم لمنصة إدكس التعليميّة (وفقًا لتقرير Impact Report, 2021)، وترحيب منصة كورسيرا ب70 مليون مُستخدم (وفقًا لتقرير Coursera 2020 Impact Report, 2021). أليس هذا بدليل كافٍ على رواج التعليم الإلكتروني؟
ما يزال التّعليم الإلكتروني في مراحله المُبكّرة مع مساحة كبيرة للتّطوير والتّحسين، بالأخص التّركيز على مُخرجات التّعلم العمليّة وصقل المهارات اللّازمة لسوق العمل وفاءً بمُتطلّبات الوظائف المُستقبليّة عوضًا عن التّركيز على التّعلّم طمعًا في الشّهادات فحسب.
يستوقفنا الآن سؤال في غاية الأهميّة: هل من المُمكن أن يتعاقد مسؤولو التّوظيف وأصحاب الشّركات مع الحاملين لشهادات المساقات الهائلة أو ما تُعرف بـ "MOOCs"؟
يقف أمام المساقات المفتوحة (بالإنجليزية Massive Open Online Courses أو MOOCs) ودورات الأونلاين التدريبية عائق صعب، وهو اعتراف مسؤولي التّوظيف وأصحاب الشّركات بها.
قد تكون اشتركت مُسبقًا في دورة تدريبية عالية الجودة عبر الإنترنت ضمن إحدى المساقات المفتوحة دون أن تعرف المغزى وراء شكوك أصحاب الشّركات ومسؤولي التّوظيف، ولكن ألا تظن أن من حقهم التأكّد من كفاءة وأهليّة الجهة المانحة للشّهادة، سواء كانت دورة تدريبية أون لاين أو في إحدى المراكز أثناء تقييمهم لجميع المُرشّحين؟
من المؤسف القول أن مقياس جودة التّعليم المزعوم للجامعات سواء كانت الدراسة أون لاين أو في الحرم الجامعي، قد أعمى الشّركات عن أهليّة الخيارات الأخرى، ولأن الوقت يمثل رأس مال الشّركات في عصرنا الحالي، فالغالبية منها تُفضّل التّركيز على أنشطتها ومهامها الرّئيسية في خِضم المُنافسة الاقتصادية الشرسة. يتّضح هنا السّبب المنطقي وراء تقييم المُتقدّمين للوظائف وفقًا لشهاداتهم الجامعيّة، دون الالتفات بشكل كبير للشهادات أو الدورات التّدريبية الأخرى.
وفقًا لمُتخصص علم الاجتماع Ono H، قامت إحدى الشركات في اليابان بغرض تصنيف المُتقدّمين لإحدى الوظائف بإحضار أربعة صناديق، على كل منها كتب اسم من الأربعة الآتية: جامعة توكيو، وجامعة هيتوتسوباشي، وجامعة واسيدا وكيو، والأخير كُتب عليه "أخرى"، ومن ثم طُلب من كل مُتقدّم أن يضع سيرته الذّاتية في الصّندوق المُناسب. بيت القصيد أن الجامعات الثّلاث المذكورة هي الأعلى تصنيفًا على مستوى اليابان.
من الأمثلة المُشابهة أيضًا المُستوحاة من المسلسل الأمريكي Suits، حقيقة أن المُمثّل المشهور بيرسون هاردمان لم يكن يوظّف سوى خرّيجي كلية هارفارد للحقوق، مما يوحي بأن تصنيف الجامعة ليس مُجرّد رقم فحسب، بل هي دلالة على الثّقافة من وجهة نظر البعض.
بعيدًا عن السلبيات ذات التأثير المهني لـلتعليم الإلكتروني، كعدم اعتراف الشّركات ومسؤولي التّوظيف به، فإن المشكلة الداخلية التي تؤثر بشكل مُباشر على الأفراد هي الإحساس بالعزلة. الأمر الذي يؤثر سلبًا على سلوك الفرد وبالتالي يقل اهتمامه بالمادة العلمية وينخفض أداؤه وتحصيله الدّراسي.
يتناسب الإحساس بالعزلة تناسبًا طرديًا مع درجة الالتزام بإتمام الدّورة التّدريبيّة، ويُستدل على ذلك من مُعدلات إكمال الدّورات التّدريبية المُنخفضة للغاية في المساقات الهائلة (MOOCs) على سبيل المثال لا الحصر.
قس على ذلك الحريّة التي يحظى بها الطّلاب في مثل هذه الدّورات والتي تُترجم في بعض الأحيان إلى سلوك سلبي وإساءة تجاه المُحاضرين نظرًا لانخفاض قدرتهم وتحكّمهم في الطّلاب مُقارنة بالتعليم التقليدي وجهًا لوجه.
أخيرًا، غياب العلاقة التفاعلية بين المُحاضر والمُتدرّب يؤثّر بشكل كبير على قدرة المحاضرين على توجيههم وتقويمهم، وهي من الأعمدة الأساسيّة لجودة أي نظام تعليمي عرفه التّاريخ. تجتمع كل هذه العوامل لتمنح شعورًا أقل بالجدية والالتزام طوال الدّورة التّدريبية.
ظهرت في الآونة الأخيرة بعض النماذج التي تُحاول التّغلّب على سلبيات المساقات الهائلة (MOOCs) مع الاحتفاظ بجميع مزاياها.
من الأمثلة الحيّة على هذه النّماذج، برامج النانو ديجري (Nanodegree) المُقدّمة من يوداستي العالميّة، ونموذج مايكروماستر (MicroMaster) من منصّة إدكس، ونموذج التعليم الدقيق من فاي للعلوم، حيث يُحاكي النموذج تجربة التعلم في الفصل الدّراسي على الخوادم السحابية.
يدمج هذا النموذج بين التعلم عن بعد والتعليم التقليدي، مع التّركيز أكثر على نموذج التعلم عن بعد بهدف الوصول إلى أكبر عدد من المُتدربين حول العالم، متغلبًا على القيود المكانيّة والزّمانيّة في نموذج التعلم في الفصل الدّراسي، وفي نفس الوقت تفادي جميع السلبيات التي تُصاحب نموذج التعلم المُعتمد على المساقات الهائلة على رأسها الإحساس بالعزلة وغياب العلاقة التفاعلية بين المُحاضر والمُتدرب.
تتلّخص المنهجية التعليمية لفاي للعلوم في تصميم دورات تدريبية تعتمد بشكل أساسي على تطبيق مشاريع حقيقيّة بمُساعدة نُخبة من خُبراء المجالات المُستهدفة ممن لهم باع طويل في كُبرى الشّركات، والأساتذة الأكاديميين من مُختلف الجامعات المرموقة، ضمانًا لجودة العمليّة التّعليميّة، واعتمادها من أغلب الجهات المعنيّة، وإتاحة الفرصة للمُتدربين للتّفاعل مع المُحاضرين بما يُحقق أقصى استفادة من الدورة التّدريبية وبالتالي زيادة فرص المُتدرّبين في الحصول على وظائف مرموقة.
حقيقةً، ما زال هناك الكثير من العقبات أمام التعليم الإلكتروني ليصل إلى هذه المرحلة، على رأسها مزايا التعلم وجهًا لوجه، ولكن العمل جارٍ من مُختلف الجهات المهتمة، لتسريع عمليّة الإحلال عبر مُختلف آليات التّطوير.
تتضمن هذه الآليات التركيز على اكتساب المهارات، بمساعدة محاضرين ذوي خبرة ومعرفة من مختلف المعاهد والشركات المرموقة، والشراكة مع كبرى الجهات المختصة في تصميم وتقديم تجربة تعلم مميّزة، مع الحفاظ على مزايا التعلم عن بعد على رأسها المرونة وعدم وجود أي قيود زمانية أو مكانية.